I.
تعريف الجدل:
أ. لغة:
له
معاني لغوية كثيرة منها: اللدد في الخصومة والقدرة عليها ، وهذا المعنى مشتق من
معاني أخرى منها : الفتل أو شدة الفتل، ومنه زمـام مجدول أي مفتول.
ومنها: القوة والاشتداد ولذلك
قيل للصقر الأجدل لقوته.
ومنها: الصرع، ولذا قيل جدله فانجدل وتجدل: أي صرعه على
الجدالة وهي الأرض، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "أنا خاتم النبيين في أم
الكتاب، وإن آدم لمنجدل في طينتـه"([1]) ومن معاني الجـدل
الإحكام والانتظام، ولذا قيـل للقصر المشرف "المجدل" وجدلاء ومجدولة:
محكمة النسج ودرع جدلاء قال الحطيئة:
فيه الجياد وفيه كل سابغةٍ جدلاء محكمة من نسج سلام
ويدخل في هذا الجدول أي جدول الماء ، لانتظام جريانه وتناسقه، والجدل
الناحية والطريقة والقبيلة ([2]).
ويراد بالجدل
في اللغة امتداد الخصومة ومراجعة الكلام بين متكلِّمَيْنِ في مسألة يخْتلِفَانِ
فيها، إذَا نظر الإِنسان إلى مادّة الجدل في اللُّغة وجد أَنهَا تعود إلى هذا
المعنى.
ب. اصطلاحا:
:
يعرف الباجي الجدل بأنه : "تردد الكلام بين اثنين قصد كل واحد منهما تصحيح
قوله وإبطال قول صاحبه ".([3])
ويسرد الجويني تعريفات متعددة للجدل، ثم يعترض عليها ويختار هو التعريف
التالي: الجدل "إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي
بالعبارة، أو ما يقوم مقامها من الإشارة والدلالة"([4])
ويلاحظ أن تعريف الجويني هذا يرتبط
بالمعنى اللغوي، ويعتصم به لأنه قائم على التدافع بين الخصمين لأن أحد معانيه
اللغوية الصرع من المصارعة.
كما يلاحظ عليه أنه يدخل في الجدل المناظرات الشفوية والكتابية لأنه
قال بالعبارة أو ما يقوم مقامها من الدلالة والإشارة.
وعلى هذا يبدو أن الجدل لا يكون إلا بين اثنين متنازعين فأكثر وهو ما
نلاحظه في تعريف الباجي السابق، والجويني، كما نلاحظه في تعـريف العكبري "ت :
616 هـ" التالي : الجدل هو : "عبارة عن دفع المرء خصمه عن فساد قوله
بحجة أو شبهة، وهو لا يكون إلا بمنازعة غيره " ([5])
أما الجرجاني فيعرف الجدال بأنه: "عبارة عن مراء يتعلق بإظهار
المذاهب وتقريرها"، ويعرف الجدل بأنه : "القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات
والغرض منه إلزام الخصم وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان أو هو دفع المرء
خصمه عن إفساد قوله بحجة أوشبهة. ([6])
ويبين لنا إمام الحرمين الجويني
المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي الذي عرفه به العلماء فيقول :
"إن قلنا إنه في اللغة للإحكام فكأن كل واحد من الخصمين إذ كان يكشف لصاحبه
صحة كلامه بإحكامه وإسقاط كلام صاحبه، سميا متجادلين ".
وإن قلنا : إنه مأخوذ من الفتل، فلأن كل واحدٍ من الخصمين يفتل صاحبه
عما يعتقده إلى ما هو صائر إليه ".([7]) وإن قلنا من الصرع
فكأن الخصمين يتصارعان وكل واحدٍ منهما يقصد إسقاط كلام صاحبه بغلبته وقوته.([8])
وَابْنُ عَقِيلٍ الحَنْبَلِيُّ يُعَرِّفُ الجَدَلَ بِأَنَّهُ
الفَتْلُ لِلْخَصْمِ عَنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ بِطَرِيقِ الحُجَّةِ. وَهَذَا
فِيهِ مَعْنًى لُغَوِيٌّ، أَنَّ الجَدَلَ بِخِلَافِ الإِبْرَامِ، وَكَـأَنَّهُ
أَخَذَ هَذَا التَّعْرِيفَ الِاصْطِلَاحِيَّ مِنَ المَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالعلامة ابْن حزم يقول في تعريف الجدل: هو إخبار كل واحد من
المُخْتَلِفَيْنِ بحجته أو ما يظن أنه حجَّة
ويعرف أَبو
يعلى الحَنْبَلي الْجدل بقوله: الجدل تردد الكلام بين اثنين إذا قصد كل واحد منهما
إحكام قوله ليدفع به قول صاحبه.
ومن
مرادفات الجدل والمجادلة نجد المناظرة وهي " النظر بالبصيرة من الجانبين في
النسبة بين شيئين إظهاراً للصواب " وقد يكون مع نفسه ، ومنها المكابرة وذلك
إذا علم المجادل بفساد كلامه وصحة كلام خصمه وأصر على المنازعة ، ومنها المعاندة
وهي المجادلة مع الجهل بالقضية التي يجادل فيها ([9]) .
ومنها
المحاورة وهي المراجعة في الكلام ومنه التحاور أي التجاوب ، وهي ضرب من الأدب
الرفيع، وأسلوب من أساليبه ، وقد ورد في موضعٍ واحد في القـرآن الكريم " والله يسمع
تحاوركما " وقريب من ذلك
المناقشة ([10])
ج. مفهوم الجدل الديني:
إنطلاقا مما
سبق ذكره من تعريفات متعددة للجدل والجدال بصفة عامة، فإن المراد من الجدل الديني
هو تردُّد الكلام بين مُخْتَلِفَيْنِ دينيّا أو مذهبيّا، يريد كل منهما تصحيح دينه
أو مذهبه وإِبطال دين أو مذهب خصمه.
د. مفهوم
الجدل الإسلامي:
المراد به هو
تلك الحركة الحجاجية والدفاعية التي قام بها المسلمون منذ البدايات المبكرة لمجيء
الإسلام، تجاه أهل الكتاب لدحض عقائدهم ودعومتهم للإسلام من جهة، وتجاه أهل
الديانات الوضعية لبيان فساد معتقدهم وإظهار محاسن الإسلام من جهة ثانية، وتجاه
بعضهم البعض لما عرفه التاريخ الإسلامي من ظهور الفرق الدينية والسياسية المختلفة،
وما قامت به كل فرقة من محاولة بيان صحة مذهبها وبطلان المذاهب المخالفةلها، هذا
من جهة ثالثة.
جزاكم الله خيرا
ردحذفمدخل مصطلحي لطيف ظريف موجز مقنع، موفق
ردحذف